Tuesday, September 18, 2007

عتاب

أريد أن أغسل وجهى وأن أعاتب... (أعاتب) ..الكلمة تـُظهر احتكاكا حنونا وأخرا للروح بمحيطها. و(المعاتبة) فوضاوية التمسح بالكون مرة أخرى واظهارٌ عشوائىٌ لسـُكــّر ماقـَدّمت يداك أملا فى بقاء الوصل./أريد أن أغسل وجهى وأعاتب/.( يعاتب) يتمسح بالعتب مرة أخرى ويسوق عليه جمال ما مضى بينهما كى يزيل عنه ترابا مسـّهُ. والعتبة أول الدار هى ماوقعت منها كلمة (عتاب) التى تعيد الوصل إلى أول صفائه./أريد أن أغسل وجهى وأعاتب/.(العتاب) وقوع الذكرى العذبة مثل ماء لين يندلق إلى شقوق مـُتربة ودليل على بقاء العلاقة، و(تعاتبا) تكون بين اثنين لاثالث لهما، خصوصية ُ روحين تكافيا السر، قد يحمل أرقـُهم فيضا من العتاب لأكثر من شىء حوله ولكنه يـُسرُّ بالرواية فى أذن كل منهم على حدة حفاظا لجمال الانفراد ولذته./أريد أن أغسل وجهى وأعاتب/. (المعتب) صاحب العتبى رهيف الروح وحامل العـَشم، ناشر طرفه، متشتتٌ بحدة عتابه وحرقة روحه أو هادىء بغلبة حسن (المستعتب عليه) عليه.تقول له(لك العتبى) أى تفتح الصدر على مصراعيه ليرى مسيرة الطير المهاجر فى صدرك والسماء التى منبتها روحك، (لك العتبى) تأخذ بيديه ليتحسس أصغر ندبة فى الروح وخوف لايتطلع عليه غيرهُ . و (العتاب) مأمول ٌ منه أو ميوؤس منه.0فــ(عتاب) الآمل ينبض به القلب ويحكمه العقل الذى يفرد خيطا لينا من الوصال كلما هـَمًّ إرهاقٌ بــ(المستعتب عليه). وعتاب اليائس الذى أوقن بالمفارقة تضخه الروح وحدها بكل ما حملته من مودة للواقف ونقمة على الموقف، عتاب اليائس أشجى وأنقى وأشف، وعتاب الآمل صورة لقدرة المحبة....أريد أن أغسل وجهى وأن أعاتب القمر هو لم يغطـِنى فى منامى كما وعد/أريد أن اغسل وجهى وأن أعاتب الرقة التى سقطت على القلب سهوا/أن أعاتب حيلة وقعت على فدُخت بالإثم وحيلة لم تقع على فذهب من يدى حبيب/أن أعاتب عينين تساقطا على القلب من نخلة الحسن/ أريد أن أغسل وجهى وأن أعاتب من تعلق به القلب فتركه/أعاتب العمر/ الضوء/ الوجع/ أعاتب كلاما قلته/ وكلاما لم أقلهُ/أعاتب ما مر بى / وما مر منى/نفــَسى الضئيل/وهاجس يطفو علىّ/أريد أن أعاتب العتاب الذى أوجع القلب وأمـَّـلــَهُ/أريد أن أغسل وجهى وأن أعاتب.......أعاتب

Wednesday, September 05, 2007

عن شقائق النعمان أو هذه تفسير رؤياى

العنكبوت العالق على أناملها صغيرٌ صغيرٌ على قدر أقل مساحة بكفها. لم يفته موضع من كفها إلا ومسح عليه وساق له الأولياء واحدا واحدا. حتى أن خطـَّا صغيرا من عمرها وهن لما أصابه وحلـًّفها بما قاسمته من ذكرى أن تترك له طريقا صغيرا صغيرا على كفها
الصغير بادىء النسيج, أعلم الخلق برهافة الكف, والسائر بدقة وجـِِِل ٍ وخفة حبيب حدث نفسه:(إن أوقـَعتُ خيط حريرعلى الكف ما حس صاحبه لتشابه الواقع والواقع عليه، وإن جرت قدماى كدبيب انتباه طويل حـلُّ الخدر بقدمى ودُخـْتُ لما حوته مسالك الكف من سكر مـُسْكـِر). الصغير الذى دوخه السعى قعد مستأنسا بخط صغير صغير على الكف تاركا للرحمة ما تتنزل به
******
خرج -النعمان- إلى ظهر الحيرة وكان معشابا \أى كثير العشب\ وكانت العرب تسميه خد العذراء فيه نبت الشيحُ والقيصوم والخزامى والزعفران وزهور برية حمراء -اسماها الفينيقيون جراح أدونيس - فأعجبته الجراح فقال :(من نزع من هذا شيئا فانزعوا كفيه) فسميت شقائق النعمان
******
على حافة نبع وحيد دعت مؤانسة ُ الرعاة ترويضَ الذكرى فتحدث اقربهم لقلبـه (يابنت ما ضير اختلاط الحى بالميت) وتحسس يديه الطالعتين بشوق المتذكر(الحى يـُطعـََمُ من رقة الميت والميت يدفع حسرته بالحى) وضم يديه إلى صدره ( يرى الحى الطريقَ أكثر شفافية حين يمزج عينيه ببصيرة الميت، ويمسك الميت خيط الأ ُنس حين تخضع رؤياه لبصر الحى) وقـَبـُّلَ يديه ظاهرا وباطنا بشوق أم لعيل تائه حتى تجـَرًّحا بفعل أسنانه (يابنت باطن كفى التى تبدو كبدن الميت تمنح كفيك شجن الغريب وباطن كفيك اللتين تــَبــَدَّيا كمرعى بليلة عرس تمنح كفيى بهجة الأمل) ومسح يديه بزهرة برية نمت على حافة النبع ومضى
******
العنكبوت الصغير استدرجته اللهفة إلى الصبر رويدا رويدا، ثم جذبه الصبر إلى حافة الرضا رويدا رويدا، ثم مضى به الرضا لحال الأنس رويدا رويدا. قعد عل باطن الكفين يغزل مايجبر به ضلع تهشم من مداومة النوم إلى باطن الكف النعمة، الصغير حدّث نفسه (أولى علىّ تعريف القريب بالبعيد) خطا خطوة إلى الأمام ثم عاد إلى الحافة متطلعا مرة أخرى (الحـُسن يذلُ البصر ويمسك الرأى عن الوصف) مال بضلعه الأخر على باطن الكف حين أصابه هاجس الضلع المجبور (لتعريف الحـُسن فليسرح الخيال لإحضار الشائك ولينطلق البصر لمدى القبح) الصغير أبهجته الحكمة وساقه الحنين لملامسة الكف بضلع مجبور (ولمعرفة حدود الإنبساط على باطن كف تشبه النعمة ولاتمنحها، علىّ سـَوقُ الفكر لما يشبه الجوع ولا يمنحه) الصغير أوجعته الحكمة وضلع مجبور فصرخ (هذه تفسير رؤياى)0
******
ضم الولد كفيها على صدره ، الطريق أقصر من رضا الضلوع بمنامها إلى الكف -ذاك ما أحس- ، (ملمس الكفين على الضلع أجمل من مضاجعة يوم بــِطــُوله والدفء المتولد عنهما يمنح الروح بكارة لم يؤتها أحد قبله) حدث نفسه. (لتلك الكف أتى أبوك آدم سعيا من أرض الهند قاطعا وحشة الطريق ومـُسـًّيرا باللهفة) الولد أخرج العابه واحدة تلو الأخرى راغبا فى لهوها عن ضلوع توسدت يديها (ماذا لو لم تبهرها اللعبة تلو الأخرى؟) وقع الخاطر عليه فربت على يديه (من أخذ شيئا من يديها فانزعوا كفيه معها) كان القول عادل

Monday, September 03, 2007

فلورينتينو اريثا

كانت مأساة فلورنتينو اريثا أثناء عمله كاتبا لشركة الكاريبى للملاحة النهريه، تكمن فى أنه لم يكن قادرا على عدم التفكير بفيرمينا داثا، ولم يتعلم أن يكتب أبدا دون التفكير بها. وفيما بعد، حين نقلوه لأداء أعمال أخرى، كانت دواخله تفيض حبا لايدرى ما يفعل به، فراح يهديه إلى العاشقين الذين لايتقنون الكتابة بكتابة رسائل حب مجانية لهم فى زقاق الكتبه العمومين حيث كان يذهب بعد انتهائه من العمل. كان ينزع سترته بحركاته الوقورة ويعلقها على مسند الكرسى. ثم يضع الأكمام المستعارة كى لا يلوث قميصه، ويحل أزرار الصدريه ليفكر بشكل أفضل، ويبقى أحيانا حتى ساعة متأخرة من الليل، باعثا الأمل فى البائسين برسائل حب تبعث على الجنون. وبين حين وأخر كان يجد امرأة فقيرة تعانى مشكلة مع ابنها أو محاربا قديما يلح فى طلب دفع تعويضاته، أو أحدا سـُرق منه شىء ويريد الشكوى أمام الحكومة، لكنه كان عاجزا عن تلبية رغباتهم مهما بذل من جهد لأنه لم يكن قادرا على اقناع أحد إلا فى رسائل الحب.لم يكن يسأل زبائنه الجدد أى سؤال، إذ كان يكتفى برؤية بياض عيونهم ليعرف حالتهم، فيملأ ورقة بعد ورقة بكلمات حب خارقة وذلك بمعادلة مضمونة النتائج هى الكتابة مفكرا بفيرمينا داثا ولاشىء سواها. ومع انتهاء الشهر الأول أصبح عليه أن يضع نظام حجز مسبق، حتى لا تجعله أشواق العاشقين يفيض متجاوزا تلك الحدود
ان أجمل ذكرياته عن تلك الحقبة هى ذكرى صبية خجول، تكاد تكون طفلة، طلبت منه وهى ترتعش أن يكتب لها ردا على رسالة ملحة تلقتها لتوها، وعرف فلورينتينو اريثا بأنه كان قد كتبها فى مساء اليوم السابق. رد عليها بأسلوب مختلف بما يتناسب مع انفعالات الصبية وسنها وبخط يبدو كذلك وكأنه خطها، إذ يحسن اصطناع خطوط لكل مناسبة حسب طبيعة كل شخص، كتبها متصورا ماكانت سترد به عليه فيرمينا داثا لو كانت تحبه كثيرا كما تحب تلك المخلوقة المتعدة عاشقها. وبعد يومين طبعا كان عليه أن يكتب رد الحبيب بالخط والأسلوب ونوع الحب الذى خصه به فى الرسالة الأولى، وهكذا وجد نفسه متورطا فى مراسلة محمومة مع نفسه وقبل انقضاء شهر جاءاه كل على انفراد ليشكراه لما كان قد اقترحه فى رسالة الشاب ووافق عليه بإخلاص فى رد الفتاة. انهما سيتزوجان
جابريل جارسيا ماركيز
الحب فى زمن الكوليرا